لقد بدأ التوجه إلى استخدام الإنترنت على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي، في منتصف العقد الأول من الألفيّة الثانية، ويرجع السبب في ذلك إلى انتشار الهواتف الذكيّة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تزايد سرعات الإنترنت، وهو ما نطلق عليه "مرحلة المستهلك الرقمي". لقد تأخرت الشركات في اللحاق بهذا التوجه الرقمي، لكننا بدأنا أخيرًا بمشاهدة الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام الرقميّة في استراتيجيّات الشركات منذ عام 2010. لقد كان هذا التحوّل دراماتيكيًا، ففي غضون خمس سنوات فقط، ازدادت حصة وسائل الإعلام الرقمي من 10% في عام 2012 إلى 30% في عام 2017، وهو ما نطلق عليه "مرحلة الإعلام الرقمي."
في مارس 2017، أعلنت أمازون الاستحواذ على شركة "سوق" مقابل 580 مليون دولار، والتي تُعد من شركات التجارة الإلكترونيّة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لاحقًا في ذات العام، أعلن محمد العبّار، رئيس شركة إعمار العقاريّة، عن إطلاق مشروع جديد في مجال التجارة الإلكترونيّة يحمل اسم "نون" بتمويل يصل إلى مليار دولار، ودعم من صندوق الاستثمارات العامّة التابع للملكة العربيّة السعوديّة، وقد مثل ذلك بداية مرحلة إلكترونيّة جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي "مرحلة التجارة الإلكترونيّة."
تُقدر قيمة سوق التجارة الإلكترونيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ 8.3 مليار دولار، مع وجود مساحة كبيرة للنمو، إذ يبلغ متوسط معدّل النمو السنوي للتجارة الإلكترونيّة في المنطقة 25%، وهو أعلى من معدّل النمو العالمي بقليل. تشكل دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر حوالي 80% من سوق التجارة الإلكترونيّة في المنطقة، كما أن معدّل النمو فيها يبلغ 30%، أي أكثر من ضعف معدّل النمو في بقية دول المنطقة.
بلغ معدّل اختراق التجارة الإلكترونيّة لإجمالي مبيعات التجزئة في المنطقة 1.9% خلال عام 2017، أمّا في دول مجلس التعاون الخليجي فقد بلغ المعدّل 3%. تُعد الإمارات السوق الإلكتروني الأكثر تقدمًا في المنطقة، إذ يبلغ معدّل الاختراق فيها 4.2%، وهي بذلك تشابه تركيا والبرازيل. وتأتي في المرتبة الثانية المملكة العربيّة السعوديّة التي يبلغ معدّل الاختراق فيها 3.8%، أمّا معدّل الاختراق في مصر فيبلغ 2.5% وهي بذلك تشابه الهند وإندونيسيا.
الاستنتاج
لم تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقتًا أفضل من الآن للدخول إلى مجال التجارة الإلكتروني، إذ تبلغ قيمة السوق اليوم 8.3 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل 28.5 مليار دولار بحلول عام 2022. إن المستهلكين في المنطقة متعطشون لتجربة تسوّق إلكترونيّة جديدة تقدّم لهم مجموعة واسعة من المنتجات، في المقابل باتت التجارة الإلكترونيّة تمثل جزءًا أساسيًا من استراتيجيات التجزئة، وذلك مع توسع شركات التجارة الإلكترونيّة نحو أسواق جديدة، وأصناف جديدة من المنتجات. أمّا بيئة التجارة الإلكترونيّة، وخصوصًا آليات الدفع، والإمدادات اللوجستيّة، فقد تحسنت كثيرًا رغم العديد من العقبات التي ما زالت قائمة.
كذلك ما زالت هناك مساحة كبيرة للنمو، وذلك في ظل معدّل الاختراق المنخفض للتجارة الإلكترونيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة بالمناطق الأخرى.
وبالنظر إلى سياق الإحصائيات العالميّة، يمكن القول إن التجارة الإلكترونيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمتلك مساحة واسعة للنمو خلال السنوات القادمة، فهل المنطقة مستعدة يا ترى لاغتنام الفرصة التي أمامها؟
المستهلكون في المنطقة مستعدون للتجارة الإلكترونيّة
يُعد المستهلكون في المنطقة، وخصوصًا المستهلكون في دول مجلس التعاون الخليجي، من أفضل المستهلكين من ناحيّة الخبرة التقنيّة والاتصال بالإنترنت في العالم، إذ تُعتبر معدلات اختراق الإنترنت والهواتف الذكيّة ووسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات والسعوديّة من الأعلى عالميًا، بينما يُعد المصريون من أكثر الشعوب الذين يقضون وقتًا على الإنترنت.
يتسم المستهلكون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعرفة التقنيّة، وهم يقطعون معظم رحلة الشراء من خلال الإنترنت، سواءً انتهى بهم الأمر بالشراء من الإنترنت أم لا.
تلعب محرّكات البحث دورًا محوريًا في عمليّة الشراء، حيث أن حوالي 56% من المستهلكين في الإمارات والسعوديّة ومصر يبدؤون رحلة التسوّق الإلكتروني من خلال محرّكات البحث، وليس من خلال مواقع المتاجر الإلكترونيّة. ويبحث هؤلاء المستهلكون باستمرار عن المنتجات والعروض من خلال الإنترنت، بينما تصل ذروة الاهتمام لديهم في الفعاليات الموسميّة. يتميّز المستهلكون في المنطقة بكونهم أكثر انفتاحًا على الخيارات أثناء البحث مقارنةً بالأسواق الأخرى، فهم يميلون إلى استخدام كلمات عامّة وغير متعلقة بعلامات تجاريّة محددة في عمليّة البحث. على سبيل المثال، 43% من عمليّات البحث في جوجل حول الملابس في الإمارات والسعوديّة تتم باستخدام كلمات عامّة وغير مرتبطة بعلامة تجاريّة محددة، مقارنةً بـ 32% في بريطانيا.